حريق القاهرة ولوس أنجلوس- الإنسانية في مواجهة الأزمات.
المؤلف: خالد السليمان10.20.2025

إن النيران المشتعلة في لوس أنجلوس منذ أيام، والتي ألحقت دماراً هائلاً بآلاف المباني وتسببت في تشريد عشرات الآلاف من السكان الأبرياء، قد أعادت إلى ذاكرتي حكايات وقصصاً كان يرويها لي والدي، رحمه الله، عن تجربته المؤلمة عندما عاصر حريق القاهرة المهول في عام 1952!
لقد وصف لي والدي، بتفصيل دقيق، الأجواء المأساوية التي خيمت على القاهرة في ذلك الوقت، مع تفشي الذعر والخوف بين الناس بسبب هذا الحريق الهائل. وحكى لي كيف ظل تائهاً وهائماً على وجهه في شوارع القاهرة الفسيحة بعد أن فقد حقيبته الثمينة وجواز سفره الضروري في بناية الفندق الذي اندلعت فيه النيران والتهمته. ولكنه ذكر أيضاً كيف أن صاحب (بنسيون) متواضع الحال قد استضافه مشكوراً في تلك الليلة العصيبة، لحين تدبر أمره وإيجاد حل لمشكلته!
كان والدي، عليه رحمة الله، شاهداً عيانياً على حريق القاهرة الذي دمر بلا رحمة مئات المحلات التجارية، ودور السينما والمسارح، والفنادق الفخمة في قلب القاهرة النابض بالحياة. ويُقال، والله أعلم، بأنه كان حريقاً مُدبراً ومخططاً له بدقة متناهية بهدف زعزعة الاستقرار وإسقاط حكومة الوفد آنذاك، برئاسة مصطفى النحاس باشا، وذلك بعد أن اتخذت قراراً تاريخياً بإلغاء معاهدة 1936 وإنهاء الوجود البريطاني في مصر. كان والدي يحكي لي قصصاً مؤثرة عن حالة الهلع والفزع التي عمت بين الناس، ولكنه كان أيضاً يروي قصصاً رائعة عن التكافل الاجتماعي والتآزر الذي أبداه المجتمع المصري للمساهمة الفعالة في السيطرة على الحريق الهائل، وتقديم العناية الطبية والإغاثة للمتضررين المنكوبين، وتقديم المساعدات العاجلة للمحتاجين الذين فقدوا مأواهم وممتلكاتهم الثمينة!
في خضم المواقف الصعبة والأزمات الحرجة التي تمر بها المجتمعات، تظهر دائماً فئة ضئيلة من الأشخاص الانتهازيين الذين يستغلون الظروف لتحقيق مكاسب شخصية رخيصة. ولكن، في المقابل، تبرز غالباً وبشكل جلي لُحمة المجتمعات الأصيلة وتتضافر الجهود الخيرة لمواجهة هذه الأزمات والتغلب عليها. ففي أزمة احتلال العراق للكويت، على سبيل المثال، روى لي العديد من الأصدقاء والجيران كيف ساهمت هذه الأزمة العصيبة في تغيير نمط الحياة وسلوك المجتمع الكويتي بشكل إيجابي، فأصبح الناس أكثر تماسكاً وتعاوناً وتآزراً، وباتوا كأنهم أسرة واحدة متماسكة. وقد عشت بنفسي بعض هذه اللحظات الإنسانية النبيلة عندما دخلت الكويت في اليوم الثالث لتحريرها، وسكنت مع بعض الأصدقاء الأعزاء. أتذكر جيداً أن الظلام كان دامساً يخيم على المدينة طوال اليوم بسبب احتراق آبار النفط وانقطاع التيار الكهربائي. ومع ذلك، كانت الحصص الغذائية توزع بانتظام على السكان المحتاجين، وكان الناس يتقاسمون الأغذية المتوفرة لديهم، ويتهادون في ما بينهم بكل حب وإيثار وتضحية، مع فرحة عارمة بتحرير بلادهم الغالية من براثن الاحتلال الغاشم!
مثل هذه الصور الإنسانية المشرقة ما زالت خالدة ومحفورة في ذاكرتي، تماماً كما خلدت أحداث حريق القاهرة المروعة في ذاكرة والدي العزيز. فهي الذكريات والأحداث التي تعزز ثقتنا الراسخة في طبيعة الإنسان الطيبة وفطرته النقية، والتي تبرز بوضوح في المواقف الصعبة والأزمات الكبرى!
باختصار شديد.. ما بين الانتهازية والإنسانية عند وقوع الأزمات الكبرى والظروف القاهرة، يوجد فاصل دقيق ورقيق، يحافظ عليه دائماً أصحاب القلوب الطيبة والنفوس النبيلة!
لقد وصف لي والدي، بتفصيل دقيق، الأجواء المأساوية التي خيمت على القاهرة في ذلك الوقت، مع تفشي الذعر والخوف بين الناس بسبب هذا الحريق الهائل. وحكى لي كيف ظل تائهاً وهائماً على وجهه في شوارع القاهرة الفسيحة بعد أن فقد حقيبته الثمينة وجواز سفره الضروري في بناية الفندق الذي اندلعت فيه النيران والتهمته. ولكنه ذكر أيضاً كيف أن صاحب (بنسيون) متواضع الحال قد استضافه مشكوراً في تلك الليلة العصيبة، لحين تدبر أمره وإيجاد حل لمشكلته!
كان والدي، عليه رحمة الله، شاهداً عيانياً على حريق القاهرة الذي دمر بلا رحمة مئات المحلات التجارية، ودور السينما والمسارح، والفنادق الفخمة في قلب القاهرة النابض بالحياة. ويُقال، والله أعلم، بأنه كان حريقاً مُدبراً ومخططاً له بدقة متناهية بهدف زعزعة الاستقرار وإسقاط حكومة الوفد آنذاك، برئاسة مصطفى النحاس باشا، وذلك بعد أن اتخذت قراراً تاريخياً بإلغاء معاهدة 1936 وإنهاء الوجود البريطاني في مصر. كان والدي يحكي لي قصصاً مؤثرة عن حالة الهلع والفزع التي عمت بين الناس، ولكنه كان أيضاً يروي قصصاً رائعة عن التكافل الاجتماعي والتآزر الذي أبداه المجتمع المصري للمساهمة الفعالة في السيطرة على الحريق الهائل، وتقديم العناية الطبية والإغاثة للمتضررين المنكوبين، وتقديم المساعدات العاجلة للمحتاجين الذين فقدوا مأواهم وممتلكاتهم الثمينة!
في خضم المواقف الصعبة والأزمات الحرجة التي تمر بها المجتمعات، تظهر دائماً فئة ضئيلة من الأشخاص الانتهازيين الذين يستغلون الظروف لتحقيق مكاسب شخصية رخيصة. ولكن، في المقابل، تبرز غالباً وبشكل جلي لُحمة المجتمعات الأصيلة وتتضافر الجهود الخيرة لمواجهة هذه الأزمات والتغلب عليها. ففي أزمة احتلال العراق للكويت، على سبيل المثال، روى لي العديد من الأصدقاء والجيران كيف ساهمت هذه الأزمة العصيبة في تغيير نمط الحياة وسلوك المجتمع الكويتي بشكل إيجابي، فأصبح الناس أكثر تماسكاً وتعاوناً وتآزراً، وباتوا كأنهم أسرة واحدة متماسكة. وقد عشت بنفسي بعض هذه اللحظات الإنسانية النبيلة عندما دخلت الكويت في اليوم الثالث لتحريرها، وسكنت مع بعض الأصدقاء الأعزاء. أتذكر جيداً أن الظلام كان دامساً يخيم على المدينة طوال اليوم بسبب احتراق آبار النفط وانقطاع التيار الكهربائي. ومع ذلك، كانت الحصص الغذائية توزع بانتظام على السكان المحتاجين، وكان الناس يتقاسمون الأغذية المتوفرة لديهم، ويتهادون في ما بينهم بكل حب وإيثار وتضحية، مع فرحة عارمة بتحرير بلادهم الغالية من براثن الاحتلال الغاشم!
مثل هذه الصور الإنسانية المشرقة ما زالت خالدة ومحفورة في ذاكرتي، تماماً كما خلدت أحداث حريق القاهرة المروعة في ذاكرة والدي العزيز. فهي الذكريات والأحداث التي تعزز ثقتنا الراسخة في طبيعة الإنسان الطيبة وفطرته النقية، والتي تبرز بوضوح في المواقف الصعبة والأزمات الكبرى!
باختصار شديد.. ما بين الانتهازية والإنسانية عند وقوع الأزمات الكبرى والظروف القاهرة، يوجد فاصل دقيق ورقيق، يحافظ عليه دائماً أصحاب القلوب الطيبة والنفوس النبيلة!
